من المقرر عند أهل الإيمان الراسخ والتوحيد الكامل أن المولى جل وعلا قادر على كل شيء ، وقدرته سبحانه ليس لها حدود ، فله سبحانه مطلق القدرة وكمال الإرادة ، ومنتهى الأمر والقضاء ، وإذا أراد شيئاً كان كما أراد وفي الوقت الذي يريد ، وبالكيفية التي أرادها سبحانه وتعالى .
قال تعالى : ( ...قال كذلك الله يخلق ما يشاء ، إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون ) آل عمران / 247
وقال تعالى : ( هو الذي يحي ويميت فإذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون ) غافر / 68 .
وقال تعالى : ( وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر ) القمر/50 .
قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله تعالى - في تفسيره هذه الآية: ( وهذا إخبار عن نفوذ مشيئته في خلقه ، كما أخبر بنفوذ قدره فيهم فقال : ( وما أمرنا إلا واحدة ) أي إنما نأمر بالشيء مرة واحدة لا نحتاج إلى توكيد بثانية ، فيكون ذلك الذي نأمر به حاصلاً موجوداً كلمح البصر ، لا يتأخر طرفة عين ، وما أحسن ما قال بعض الشعراء :
إذا ما أراد الله أمراً فإنما يقول له كن قولة فيكون ) أ.هـ.
وهناك آيات أخرى تقرر هذا الأمر وتوضحه .
فإذا تقرر ذلك فلماذا خلق الله جل جلاله السموات والأرض في ستة أيام ؟ .
أولاً :
قد ورد في أكثر من آية في كتاب ربنا أن الله جل وعلا خلق السموات والأرض في ستة أيام فمن ذلك قوله تعالى : ( إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش ... ) الأعراف / 54 .
ثانياً :
ما من أمر يفعله الله إلا وله فيه حكمة بالغة وهذا من معاني اسم الله تعالى " الحكيم " ، وهذه الحكمة قد يطلعنا الله تعالى عليها وقد لا يطلعنا ، وقد يعلمها ويستنبطها الراسخون في العلم دون غيرهم .
غير أن جهلنا بهذه الحكمة لا يحملنا على نفيها أو الاعتراض على أحكام الله ومحاولة التكلف والتساؤل عن هذه الحكمة التي أخفاها الله عنا ، قال الله تعالى : ( لا يُسأل عما يفعل وهم يسألون ) الأنبياء / 23 .
وقد حاول بعض العلماء استباط الحكمة من خلق السموات والأرض في ستة أيام :
قال الإمام القرطبي - رحمه الله - في تفسيره " الجامع لأحكام القرآن " لآية الأعراف ( 54 )) :
وذكر هذه المدة - أي ستة أيام - ولو أراد خلقها في لحظة لفعل ؛ إذ هو القادر على أن يقول لها كوني فتكون ولكنه أراد
أن يعلم العباد الرفق والتثبت في الأمور-
ولتظهر قدرته للملائكة شيئاً بعد شيء-
وقال القاضي أبو السعود في تفسيره عند آية الأعراف : (3/232) : (... وفي خلق الأشياء مدرجاً مع القدرة على إبداعها دفعة دليل على الاختيار ، واعتبار للنظار ، وحث على التأني في الأمور )